فصل: فصل في وصف الجنة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.فصل في بيان أدنى أهل الجنة منزلة:

عن الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عن النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ سَأَلَ رَبَّهُ مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً؟ فَقَالَ: رَجُلٌ يَجِىءُ بَعْدَ مَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: رَبِّ كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ؟ وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ، فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ لَهُ: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ، وَمِثْلُهُ. فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ. فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ. قَالَ: رَبِّ فَأَعْلاَهُمْ مَنْزِلَةً؟ قَالَ: أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ غَرْسَ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ». رواه مسلم.
وعن ابن مسعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي لأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا، وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً الْجَنَّة، رَجُلاً يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ حَبْوًا، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ. فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إليه أَنَّهَا مَلأَى، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأَى، فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ. فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إليه أَنَّهَا مَلأَى. فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأَى، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا. فَيَقُولُ: أَتَسْخَرُ بِي، أَوْ تَضْحَكُ مِنِّى وَأَنْتَ الْمَلِكُ». قال: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، فَكَانَ يَقولُ: «ذَلِكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وعن أبي مُوَسى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إن للمُؤْمِن في الْجَنَّة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها في السماء ستون ميلاً، للمُؤْمِن فيها أهلون، يطوف عَلَيْهمْ المُؤْمِن، فلا يرى بَعْضهمْ بعضًا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. الميل: ستة آلاف ذراع. وعن أَبِي هُرَيْرَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: «والَّذِي نفس مُحَمَّد بيده إن ما بين مصراعين من مصاريع الْجَنَّة لكما بين مَكَّة وهجر». متفق عَلَيْهِ.
وعن أبي سعيد الخدري رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الْجَنَّة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة سنة ما يقطعها». متفق عَلَيْهِ. وعنه عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إن أَهْل الْجَنَّة ليتراءون أَهْل الغرف من فوقهم كما تراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب، لتفاضل ما بينهم»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ تلك منازل الأنبياء، لا يبلغها غيرهم، قال: «بلى والَّذِي نفسي بيده، رِجَال آمنوا بِاللهِ وصدقوا المرسلين». متفق عَلَيْهِ. وعن أَبِي هُرَيْرَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لقاب قوس في الْجَنَّة خَيْر مِمَّا تطلع عَلَيْهِ الشمس أو تغرب». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وعن أنس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الْجَنَّة سوقً يأتونها كل جمعة، فتهب ريح الشمال، فتحثوا في وجوههم وثيابهم، فيزدادون حسنًا وجمالاً فيرجعون إلى أهليهم وقَدْ ازدادوا حسنًا وجمالاً، فَيَقُولُ لَهُمْ أهلوهم: وَاللهِ لَقَدْ ازددتم حسنًا وجمالاً، فيقولون: وأنتم وَاللهِ لَقَدْ ازددتم بعدنا حسنًا وجمالاً». رواه مسلم.
وعن معاذ بن جبل رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: «يدخل أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة جردًا مردًا مكحلين، بني ثلاث وثلاثين». رواه الترمذي، وَقَالَ: حديث حسن غريب.
وعن أَبِي هُرَيْرَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قلنا: يَا رَسُولَ اللهِ حدثنا عن الْجَنَّة ما بناؤها؟ قال: «لبنة من ذهب، ولبنة منن فضة، وملاطها المسك، وحصباؤها الؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران، من يدخلها ينعم ولا يبئس، ويخلد ولا يموت، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه». الْحَدِيث رواه أَحَمَد واللفظ له، والترمذي.
وعن عَبْد اللهِ بن عمرو رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إن في الْجَنَّة غرفًا يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها». فَقَالَ أبو مالك الأشعري: لمن هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال: «لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات قائمًا وَالنَّاس نيام». رواه الطبراني، والحاكم، وَقَالَ: على شرطهما. ورواه أَحَمَد، وابن حبان في صحيحه.
وعن عَبْد اللهِ بن مسعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: لكل مسلم خيرة، ولكل خيرة خيمة، ولكل خيمة أربعة أبواب، يدخل عَلَيْهَا من كُلّ باب تحفة وهدية وكرامة لم تكن قبل ذَلِكَ، لا مرحات، ولا دفرات، ولا سخرات، ولا طماحات، حور عين، كأنهن بيض مكنون. رواه ابن أبي الدُّنْيَا من رواية جابر الجعفي موقوفًا.
وعن أنس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بينا أَنَا أسير في الْجَنَّة، إذ أَنَا بنهر حافتاه قباب الؤلؤ المجوف، فقُلْتُ: ما هَذَا يا جبريل، قال: هَذَا الكوثر الَّذِي أعطاك ربك. قال: فضرب الملك بيده. فإذا طينه مسك أذفر». رواه البخاري.
وروي عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «في الْجَنَّة بحر للماء، وبحر للبن، وبحر للعسل، وبحر للخمر، ثُمَّ تشقق الأنهار منها بعد». رواه البيهقي.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «خلق الله جنة عدن بيده، ودلى فيها ثمارها، وشق فيها أنهارها، ثُمَّ نظر إليها، فَقَالَ لها: تكلمي، فقَالَتْ: قَدْ أفلح المؤمنون، فَقَالَ: وعزتي لا يجاورن فيك بخيل». رواه الطبراني في الكبير، والأوسط بإسنادين أحدهما جيد. ورواه ابن أبي الدُّنْيَا من حديث أنس أطول منه، ولفظه قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «خلق الله جنة عدن بيده، لبنة من درة بيضاء، ولبنة من ياقوتة حمراء، ولبنة من زبرجدة خضراء، وملاطها مسك، حشيشها الزعفران، حصباؤها اللؤلؤ، ترابه العنبر، ثُمَّ قال لها: انطقي: قَالَتْ: قَدْ أفلح المؤمنون. فَقَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: وعزتي وجلالي: لا يجاورني فيك بخيل» ثُمَّ تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
اللَّهُمَّ ثَبِّتْ محبتك في قلوبنا وقوها ونور قلوبنا بنور الإِيمَان وَاجْعَلْنَا هداة مهتدين، وآتنا في الدُّنْيَا حسنة وفي الآخِرَة حسنة وقنا عذاب النار، وَاْغِفرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
قال ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ:
وَالْجَنَُّة اسْمُ الْجِنْسِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ ** جِدَا وَلَكِنْ أَصْلُهَا نَوْعَانِ

ذَهَبِيَّتَانِ بِكُلِّ مَا حَوَتَاهُ مِنْ ** حُليٍّ وَآنِيَةٍ وَمِنْ بُنْيَانِ

وَكَذَاكَ أَيْضًا فِضَّةٌ ثِنْتَانِ مِنْ ** حُليٍّ وَبُنْيَانِ وَكُلِّ أَوَانِ

لَكِنَّ دَارَ الْخُلْدِ وَالْمَأْوَى وَعَدْ ** نِ وَالسَّلامِ إِضَافَةٌ لِمَعَانِ

أَوْصَافُهَا اسْتَدعَتْ إِضَافَتَهَا إِلَيْـ ** ـهَا مِدْحَةً مَعَ غَايَةَ التِّبْيَانِ

لَكِنَّمَا الْفِرْدَوْس أَعْلاهَا وَأَوْ ** سَطُهَا مَسَاكِنُ صَفْوَةِ الرَّحْمَنِ

أَعْلاهُ مَنْزِلَةً لأَعْلَى الْخَلْقِ مَنْـ ** زِلَةً هُوَ الْمَبْعُوثُ بِالْقُرْآنِ

وَهِيَ الْوَسِيلَةُ وَهِيَ أَعْلَى رُتْبَةً ** خَلُصَتْ لَهُ فَضْلاً مِن الرَّحْمَنِ

وَلَقَدْ أَتَى فِي سُورَةِ الرَّحْمَنِ ** تَفْصِيلُ الْجِنَانِ مُفَصَّلاً بِبَيَانِ

هِيَ أَرْبَع ثِنْتَانِ فَاضِلَتَانِ وَا ** يَالِيهِمَا ثِنْتَانِ مَفْضُولان

فَالأَوْلَيَانِ الْفَضْلَيَانِ لأَوْجُهٍ ** عَشْرٍ وَيَعْسُرُ نَظْمُهَا بِوِزَانِ

وَإِذَا تَأَمَّلْتَ السِّيَاقَ وَجَدْتَهَا ** فِيهِ تَلُوحُ لِمَنْ لَهُ عَيْنَانِ

سُبْحَانَ مَنْ غَرَسَتْ يَدَاهُ جَنَّةُ الْـ ** فِرْدَوْسِ عِنْدَ تَكَامُلِ الْبُنْيَانِ

وَيَدَاهُ أَيْضًا اتْقَنَتْ لِبِنَائِهَا ** فَتَبَارَكَ الرَّحْمَنُ أَعْظَمُ بَانِي

لَمَّا قَضَى رَبُّ الْعِبَادِ الْغَرْسَ قَا ** لَ تَكَلَّمِي فَتَكَلَّمَتْ بِبَيَانِ

قَدْ أَفْلَحَ الْعَبْدُ الَّذِي هُوَ مُؤْمِنٌ ** مَاذَا ادَّخَرْتَ لَهُ مِن الإِحْسَان

اللَّهُمَّ يا من بيده خزائن السماوات والأَرْض، عافنا من محن الزمان، وعوارض الفتن، فإنا ضعفاء عن حملها، وإن كنا من أهلها، اللَّهُمَّ وفقنا لصالح الأعمال، ونجنا مِنْ جَمِيعِ الأهوال، وأمن من افزع الأكبر يوم الرجف والزلزال، وَاْغِفرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

.فصل في وصف الجنة:

روي عن أَبِي هُرَيْرَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «أرض الْجَنَّة بيضاء، عرصتها صخور الكافور وقَدْ أحاط به المسك، مثل كثبان الرمل، أنهار مطردة، فيجتمَعَ فيها أَهْل الْجَنَّة، أدناهم وآخرهم، فيتعارفون، فيبعث الله ريح الرحمة، فتهيج عَلَيْهِمْ ريح المسك، فيرجع الرجل إلى زوجته وقَدْ ازداد حسنًا وطيبًا، فَتَقُول له: لَقَدْ خرجت من عِنْدِي وأنَا بك معجبة، وأنَا بك الآن أشد إعجابًا». رواه ابن أبي الدُّنْيَا.
وعن كريب أنه سمَعَ أسامة بن زيد رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ألا مشمر إلى الْجَنَّة، فإن الْجَنَّة لا خطر لها، هِيَ ورب الكعبة نور يتلألأ، وريحانة تهتز وقصر مشيد، ونهر مطرد، وثمرة نضيجة، وزوجة حسناء جميلة، حلل كثيرة، ومقام في أبد، في دار سليمة، وفاكهة وخضرة، وحبرة ونعمة، في محلة عالية بهية» قَالُوا: نعم يَا رَسُولَ اللهِ، نَحْنُ المشمرون، قال: «قولوا: إن شَاءَ الله» فَقَالَ القوم: إن شَاءَ الله. رواه ابن ماجة، وابن أبي الدُّنْيَا، والبزار، وابن حبان في صحيحه، والبيهقي.
وعن سماك أنه لقي عَبْد اللهِ بن عباس بالْمَدِينَة، بعد ما كف بصره، فَقَالَ: يا ابن عباس ما أرض الْجَنَّة؟ قال: مرمرة بيضاء من فضة، كأنها مرآة. قُلْتُ: ما نورها؟ قال: ما رَأَيْت الساعة التي يكون فيها طلوع الشمس؟ فذَلِكَ نورها، إِلا أنه لَيْسَ فيها شمس ولا زمهرير، قال: قُلْتُ: فما أنهارها؟ أفي أخدود؟ قال: لا ولكنها تجري على أرض الْجَنَّة، مستكفة، لا تفيض ها هنا ولا ها هنا، قال الله لها: كوني فكانَتْ. قُلْتُ: فما حلل الْجَنَّة؟ قال: فيها شجرة ثمر كأنه الرمان، فإذا أراد ولي الله منها كسوة انحدرت إليه من غصنها، فانفلقت له عن سبعين حلة، ألوانًا بعد ألوان، ثُمَّ تنطبق فترجع كما كانَتْ. رواه ابن أبي الدُّنْيَا موقوفًا بإسناد حسن.
وروي عن عمران بن حصين وأَبِي هُرَيْرَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ قالا: سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قوله تَعَالَى: {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ} قال: «قصر في الْجَنَّة من لؤلؤة، فيها سبعون دارًا من ياقوتة حمراء، في كُلّ دار سبعون بيتًا، من زمردة خضراء، في كُلّ بيت سبعون سريرًا، على كُلّ سرير سبعون فراشًا من كُلّ لون، على كُلّ فراش امرأة، في كُلّ بيت سبعون وصيفًا ووصيفة، يعطى المُؤْمِن من القوة ما يأتي على ذَلِكَ كله في غداة واحدة». رواه الطبراني.
وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قَالَتْ: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذكر سدرة المنتهى- فَقَالَ: «يسير الراكب في ظِلّ الفنن منها مائة سنة، أو يستظِلّ بها مائة راكب شك يحيى، فيها فراش الذهب، كأن ثمارها القلال». رواه الترمذي. وَقَالَ: حديث حسن صحيح غريب.
وفي حديث أُبَيَّ بن كعب أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قيل له: ما الحوض؟ قال: «والَّذِي نفسي بيده إن شرابه أبيض من اللبن، وأحلى من العسل، وأبرد من الثلج، وأطيب ريحًا من المسك، وآنيته أكثر عددًا من النجوم، لا يشرب منه إنسان فيظمأ أبدًا، ولا يصرف عَنْهُ إنسان فيروى أبدًا». رواه ابن أبي عاصم وغيره.
وأخَرَجَ الشيخان وَغَيْرِهمَا من حديث عَبْد اللهِ بن عمرو رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من ريح المسك، كيزانه كنجوم السماء من شرب منه لا يظمأ أبدًا». وأخَرَجَ مسلم في صحيحه من حديث حذيفة بن اليمان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «ليردن على الحوض أقوام، فيختلجون دوني، فأَقُول: رب أصحابي، رب أصحابي، فَيُقَالُ: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك».
وأخَرَجَ الطبراني، وابن حبان، والحاكم وصححه عن خباب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «سيكون أمراء من بعدي فلا تصدقوهم بكذبهم، ولا تعينوهم على ظلمهم، فمن فعل لم يرد عليّ الحوض».
وأخَرَجَ البخاري ومسلم غيرها من طَرِيق أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «أَنَا فرطكم على الحوض من ورد شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدًا، وليردن عليَّ أقوام أعرفهم ويعرفونني ثُمَّ يحال بيني وبينهم». قال أبو حازم: فسمَعَ النعمان ابن أبي عياش وانَا أحدث هَذَا الْحَدِيث، فَقَالَ: هكَذَا سمعت سهلاً يَقُولُ؟ قُلْتُ: نعم، فَقَالَ: وانَا أشهد على أبي سعيد الخدري سمعته يزيد: «إنهم مني، فَيُقَالُ: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأَقُول: سحقًا لمن بدل بعدي».
وعن عتبة بن عبدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: جَاءَ أعرابي إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ما حوضك الَّذِي تحدث عَنْهُ؟ فذكر الْحَدِيث إلى أن قال فَقَالَ الأعرابي: يَا رَسُولَ اللهِ فيها فاكهة؟ قال: «نعم، وفيها شجرة تدعى طُوبَى، هِيَ تطابق الفردوس» فَقَالَ: أي شجر أرضنا تشبه؟ قال: «لَيْسَ تشبه شَيْئًا من شجر أرضك، ولكن أتيت الشام؟» قال: لا يَا رَسُولَ اللهِ، قال: «فإنها تشبه شجر في الشام، تدعى الجوزة تنبت على ساق واحد، ثُمَّ ينتشر أعلاها». قال: فما عظم أصلها؟ قال: «لو ارتحلت جزعة من إبل أهلك لما قطعتها حتى تنكسر ترقوتها هرمًا». قال: فيها عنب؟ قال: «نعم». قال: فما عظم العنقود منها؟ قال: «مسيرة شهر للغراب الأبقع، ولا ينثني ولا يفتر»، قال: فما عظم الحبة منه؟ قال: «هل ذبح أبوك تيسًا من غنمه عظيمًا، فسلخ إهابه فأعطاه أمك، فَقَالَ: ادبغي هَذَا، ثُمَّ افري لنا منه ذنوبًا، يروي ماشيتنا؟» قال: نعم، قال: «فإن تلك الحبة تشبعني وأَهْل بيتي». فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وعامة عشيرتك». رواه الطبراني في الكبير، والأوسط، واللفظ له، والبيهقي بنحوه، وابن حبان في صحيحه، بذكر الشجرة في موضع والعنب في آخر، ورواه أَحَمَد باختصار.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْكَوْثَرُ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ، حَافَّتَاهُ مِنْ ذَهَبٍ وَمَجْرَاهُ عَلَى الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ، تُرْبَتُهُ أَطْيَبُ مِنْ الْمِسْكِ، وَمَاؤُهُ أَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ، وَأَبْيَضُ مِنْ الثَّلْجِ» رواه ابن ماجة والترمذي وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
عن جرير رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: نزلنا الصفاح، فإذا رجل نائم في تحت شجرة قَدْ كادت الشمس تبلغه، قال: فقُلْتُ للغلام: انطلق بهَذَا النطع فأظله. قال فأنطلق فأظله، فَلَمَّا استيقظ فإذا هُوَ سلمان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فأتيته أسلم عَلَيْهِ، فَقَالَ: يا جرير تواضع لله، فإن من تواضع لله في الدُّنْيَا رفعه الله يوم القيامة، يا جرير هل تدري ما الظلمَاتَ يوم القيامة؟ قُلْتُ: لا أدري، قال: ظلم النَّاس بينهم ثُمَّ أخذ عودًا لا أكاد أراه بين إصبعيه فَقَالَ: يا جرير لو طلبت في الْجَنَّة مثل هَذَا العود لم تجده، قُلْتُ: يا أبا عَبْد اللهِ؟ أين النخل والشجر؟ فَقَالَ: أصولها اللؤلؤ والذهب وأعلاه الثمر. رواه البيهقي بإسناد حسن. وعن الْبَرَاءُ بن عازب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في قوله تَعَالَى: {وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً} قال: إن أَهْل الْجَنَّة يأكلون من ثمار الْجَنَّة، قيامًا وقعودًا ومضطجعين. رواه البيهقي وغيره موقوفًا بإسناد حسن.
وعن علي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: يساق الَّذِينَ اتقوا ربهم إلى الْجَنَّة زمرا حتى إذا انتهوا إلى أول باب من أبوابها وجدوا عندها شجرة، يخَرَجَ من تحت ساقها عينان تجريان، فعمدوا إلى إحداهما كأنما أمروا بها فشربوا منها، فأذهب ما في بطونهم من قذى وأذى، ثُمَّ عمدوا إلى الأخرى فتطهروا منها فجرت عَلَيْهمْ نضرة النَّعِيم، فلن تتغير أبشارهم بعدها أبدًا، ولن تشعث أشعارهم كأنما دهنوا، ثُمَّ انتهوا إلى خزنة الْجَنَّة، فَقَالُوا: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} ثُمَّ تتلقاهم الولدان يطيفون بِهُمْ كما يطيف ولدان أَهْل الدُّنْيَا بالحميم يقدم من غيبته، يقولون له: أبشر بما أعد الله لك من الكرامة، قال: ثُمَّ ينطلق غلام من أولئك الغلمان إلى بعض أزواجه من الحور العين فَيَقُولُ: قَدْ جَاءَ فلان- باسمه الَّذِي كَانَ يدعى به في الدُّنْيَا- فَتَقُول: أَنْتَ رأيته؟ فَيَقُولُ: أَنَا رأيته. وهو ذا في أثري. فيستخف إحداهن الفرح، حتى تَقُوم على أسكفة بابها فإذا انتهى إلى منزله نظر إلى أي شَيْء أساس بنيانه فإذا جندل اللؤلؤ فوقه صرح أخضر وأصفر وأحمر من كُلّ لون ثُمَّ رفع رأسه فنظر إلى سقفه فإذا مثل البرق فلو أن الله تَعَالَى قدره له لألم أن يذهب بصره، ثُمَّ طأطأ رأسه فنظر إلى أزواجه وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفة، وزرابي مبثوثة، فتظروا إلى تلك النعمة ثُمَّ اتكئوا فَقَالُوا: {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ} ثُمَّ ينادي مناد: تحيون فلا تموتون، وتقيمون فلا تظعنون.
قال ابن القيم:
فَاسْمَعْ صِفَاتِ عَرَائِسِ الْجَنَّاتِ ثُمَّ ** اخْتَرْ لِنَفْسِكَ يَا أَخَا الْعِرْفَانِ

حُورٌ حِسَانٌ قَدْ كَمَلْنَ خَلائِقًا ** وَمَحَاسِنًا مِنْ أَجْمَلِ النِّسْوَانِ

حَتَّى يَحَارُ الطَّرْفُ فِي الْحُسْنِ الَّذِي ** قَدْ أَلْبَسَتْ فَالطَّرْفُ كَالْحَيْرَانِ

وَيَقُولُ لَمَّا أَنْ يُشَاهِدَ حُسْنَهَا ** سُبْحَانَ مُعْطِي الْحُسْنِ وَالإِحْسَانِ

وَالطَّرْفُ يَشْرَبُ مِنْ كُؤُوسِ جَمَالِهَا ** فَتَرَاهُ مِثْلَ الشَّارِبِ النَّشْوَانِ

كَمُلَتْ خَلائِقُهَا وَأُكْمِلَ حُسْنُهَا ** كَالْبَدْرِ لَيْلَ السِّتِ بَعْدَ ثَمَانِ

وَالشَّمْسُ تَجْرِي فِي مَحَاسِنِ وَجْهِهَا ** وَاللَّيْلُ تَحْتَ ذَوَائِبِ الأَغْصَانِ

فَتَرَاهُ يَعْجَبُ وَهُوَ مَوْضِعُ ذَاكَ مِن ** لَيْلٍ وَشَمْسٍ كَيْفَ يَجْتَمِعَان

فَيَقُولُ سُبْحَانَ الَّذِي ذَا صُنْعُه ** سُبْحَانَ مُتْقِنِ صَنْعَةَ الإِنْسَانِ

وَكِلاهُمَا مَرَآةُ صَاحِبِهِ إِذَا ** مَا شَاءَ يُبْصِر وَجْهَهُ يَرَيَانِ

فَيَرَى مَحَاسِنَ وَجْهِهِ فِي وَجْهِهَا ** وَتَرَى مَحَاسِنَهَا بِهِ بِعَيْنَانِ

حُمْرُ الْخُدُودِ ثُغُورُهُنَّ لآلِئ ** سُودُ الْعُيُونِ فَوَاتِرُ الأَجْفَانِ

وَالْبَدْرُ يَبْدُو حِينَ يَبْسُمُ ثَغْرُهَا ** فَيُضِيءُ سَقْفُ الْقَصْرِ بِالْجِدْرَانِ

وَلَقَدْ رَوَيْنَا أَنَّ بَرْقًا سَاطِعًا ** يَبْدُو فَيَسْأَلُ عَنْهُ مَنْ بِجِنَانِ

فَيُقَالُ هَذَا ضَوْءُ ثَغْرٍ ضَاحِكٍ ** فِي الْجَنَّةِ الْعُلْيَا كَمَا تَرَيَانِ

للهِ لاثِمُ ذَلِكَ الثَّغْرِ الَّذِي ** فِي لَثْمِهِ إِدْرَاكُ كُلِّ أَمَانِ

رَيَّانَةُ الأَعْطَافِ مِنْ مَاءِ الشَّبَا ** بِ فَغُصْنُهَا بِالْمَاءِ ذُو جَرَيَانِ

لما جَرَى مَاءُ الشَّبَابِ بِغُصْنِهَا ** حَمَلَ الثِّمَارَ كَثِيرَةَ الأَلْوَانِ

فَالْوَرْدُ وَالتُّفَّاحُ وَالرُّمَّانُ فِي ** غُصْنٍ تَعَالَى غَارِسُ الْبُسْتَان

إلى أن قال:
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً بِصَبٍّ غَابَ عَنْ ** مَعْشُوقِهِ فِي شَاسِعِ الْبُلْدَانِ

وَالشَّوْقُ يُزْعِجُهُ إليه وَمَا لَهُ ** بِلِقَائِهِ سَبَبٌ مِن الإِمْكَانِ

وَافَى إليه بَعْدَ طُولِ مَغِيبهِ ** عَنْهُ وَصَارَ الْوَصْلُ ذَا إِمْكَانِ

أَتَلُومُهُ أَنْ صَارَ ذَا شُغْلٍ بِهِ ** لا وَالَّذِي أَعْطَى بِلا حُسْبَان

اللَّهُمَّ ثَبِّتْ وَقَوِّي إِيمَانَنَا بِكَ وَمَلائِكَتِكَ وَكُتُبِكَ وَرُسُلِكَ وَاليوم الآخِر، والقَدَرِ خَيْره وَشَرهِ، وَاشْرَحْ صُدُورِنَا وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَجَمِيعِ الْمُسْلِِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ هَبْ لَنَا مَا وَهَبْتَهُ لِعِبَادِكَ الأَخْيار وانْظُمْنَا في سِلْكِ الْمُقَرَّبينَ والأَبْرَارِ وآتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وفي الآخَرِةَ حَسَنَةً وقِنَا عَذَابَ النَّار، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعيِنَ.
فصل:
عن جَابِرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَأْكُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ، وَلا يَمْتَخِطُونَ، وَلا يَتَغَوَّطُونَ، وَلا يَبُولُونَ، طَعَامُهُمْ ذَلِكَ جُشَاءٌ كَرَيحِ الْمِسْكِ، يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّكْبِيرَ كَمَا تُلْهَمُونَ النَّفَسَ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ.
وَعَنْ زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ إلى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ تَزْعُمُ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونِ وَيَشْرَبُونَ؟ قَالَ: «نعم، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيُعْطَى قُوَّةَ مِائَةِ رَجُلٍ فِي الأَكْلِ وَالْشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ». قَالَ: فَإِنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ تَكُون لَهُ الْحَاجَةُ، وَلَيْسَ فِي الجَنَّةِ أَذَى؟ قَالَ: «تَكُون حَاجَة أَحَدِهِمْ رَشْحًا يَفِيضُ مِنْ جُلُودِهِمْ كَرَشْحِ الْمِسْكِ فَيَضْمُرُ بَطْنُهُ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنِّسَائِي. وَرُوَاتُهُ مُحْتَجّ بِهِم في الصَّحِيحِ.
ورواه الطبراني بإسناد صحيح. ولفظه في إحدى رواياته قال: بينما نَحْنُ عَنْدَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ أقبل رجل من اليهود، يُقَالُ له: ثعلبة بن الحارث فَقَالَ: السَّلام عَلَيْكَ يا مُحَمَّد، فَقَالَ: «وعليكم». فَقَالَ له اليهودي: تزعم أن في الْجَنَّة طعامًا وشرابًا وأزواجًا، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نعم تؤمن بشجرة المسك؟» قال: نعم. قال: «وتجدها في كتابكم؟» قال: نعم، قال: «فإن البول والجنابة عرق، يسيل من تحت ذوائبهم، إلى أقدامهم مسك».
وَرَواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم ولفظهما: أتى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجل من اليهود، فَقَالَ: يا أبا القاسم ألست تزعم أن أَهْل الْجَنَّة يأكلون فيها ويشربون؟ وَيَقُولُ لأصحابه: إن أقر لي بهَذَا خصمته، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بلى، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيُعْطَى قُوَّةَ مِائَةِ رَجُلٍ في المَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ، وَالشَّهْوَةِ، وَالْجِمَاعِ»، فَقَالَ اليهودي: فإن الَّذِي يأكل ويشرب تَكُون له الحاجة، فَقَالَ له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حاجتهم يفيض من جلودهم مثل المسك، فإذا البطن قَدْ ضمر». ولفظ النسائي نحو هَذَا.
هَذَا وَتَصْرِيفُ الْمَآكِلِ مِنْهُمُوا ** عَرَقٌ يَفِيضُ لَهُمْ مِنْ الأَبَدَانِ

كَرَوَائِحِ الْمِسْكِ الَّذِي مَا فِيهِ مِنْ ** خِلْطٍ لَهُ مِنْ سَائِرِ الأَلْوَانِ

فَتَعُودُ هَاتِيكَ الْبُطُونُ ضَوَامِرٌ ** تَبْغِي الطَّعَامَ عَلَى مَدَى الأَزْمَان

لا غَائِطٌ فِيهَا وَلا بَوْلٌ وَلا ** مَخَطٌ وَلا بَصَقٌ مِن الإِنْسَانِ

وَلَهُمْ جُشَاءٌ رِيحُهُ مِسْكٌ يَكُو ** نُ بِهِ تَمَامُ الْهَضْمِ بِالإِحْسَانِ

هَذَا وَهَذَا صَحَّ عَنْهُ فَوَاحِدٌ ** فِي مُسْلِمٍ وَلأَحْمَدَ الأَثَرَان

وعن أنس بن مالك رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يرفعه: «إن أسفل أَهْل الْجَنَّة أجمعين من يقوم على رأسه عشرة آلاف خادم، مَعَ كُلّ خادم صحفتان، واحدة من فضة، وواحدة من ذهب، في كُلّ صفحة لون لَيْسَ في الأخرى مثلها، يأكل من آخره كما يأكل من أوله، يجد لآخره من اللذة والطعم ما لا يجد لأوله، ثُمَّ يكون فوق ذَلِكَ رشح مسك وجشاء مسك، لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتمخطون». رواه ابن أبي الدُّنْيَا واللفظ له، والطبراني، ورواته ثقات.
وعن أَبِي هُرَيْرَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن أدنى أَهْل الْجَنَّة منزلة إن له سبع درجات وَهُوَ على السادسة، وفوقه السابعة، إن له لثلاثمائة خادم، ويغدى عَلَيْهِ في كُلّ يوم ويراح بثلاثمائة صحفة،- ولا أعلمه إِلا قال: من ذهب، في كُلّ صفحة لون لَيْسَ في الأخرى، وإنه ليلذ أوله كما يلذ آخره، ومن الأشربة ثلاثمائة إناء، في كُلّ إناء لون لَيْسَ في الآخِر، وإنه ليلذ أوله كما يلذ آخره، وإنه ليَقُولُ: يا رب لو أذنت لي لأطعمت أَهْل الْجَنَّة وسقيتهم، لم ينقص مِمَّا عِنْدِي شَيْء». الْحَدِيث رواه أَحَمَد عن شهرٍ عَنْهُ.
وعن أنس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن طير الْجَنَّة كأمثال البخت، ترعى في شجر الْجَنَّة». فَقَالَ أبو بكر: يَا رَسُولَ اللهِ إن هذه لطير ناعمة، فَقَالَ: «أكلتها أنعم منها». قالها ثلاثًا، «وإني لأرجو أن تَكُون ممن يأكل منها». رواه أَحَمَد بإسناد جيد، والترمذي، وَقَالَ: حديث حسن، ولفظه قال: سئل النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما الكوثر؟ قال: «ذاك نهر أعطانيه الله، يعني في الْجَنَّة، أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، فيه طير أعناقها كأعناق الجزر» قال عمر: إن هذه لناعمة، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أكلتها أنعم منها». البخت: بضم الموحدة، وإسكَانَ الخاء المعجمة، هِيَ الإبل الخراسنية.
فَمَا الْعَيْشُ إِلا ذَاكَ لا عَيْشُ عَزَّةٍ ** وَسُعْدَى وَلا لَيْلَى وَلا أُمِّ سَالِمِ

وَذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَا ** وَيُرْجَى لِعَبْدٍ قَارِعِ الْبَابِ لازِم

وعن سليم بن عامر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: كَانَ أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولون: إن الله لينفعنا بالأعراب ومسائلهم، قال: أقبل أعرابي يومًا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ ذكر الله في الْجَنَّة شجرة مؤذية، وما كنت أرى أن في الْجَنَّة شجرة تؤذي صاحبها؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وما هِيَ؟» قال: السِّدر، فإن له شوكًا مؤذيًا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أليسَ الله يَقُولُ: {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ}، خَضَد الله شوكه، فجعل مكَانَ كُلّ شوكة ثمرة، فإنها لتنبت ثمرًا تَفَتَّق الثمرةُ منها عن اثنين وسبعين لونًا من طعام، ما فيها لون يشبه الآخِر». رواه ابن أبي الدُّنْيَا، وإسناده حسن. ورواه أيضًا عن سليم بن عامر عن أبي أمامة الباهلي عن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثله. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الرمانة من رمان الْجَنَّة يجتمَعَ حولها بشر كثير يأكلون منها فإن جرى على ذكر أحدهم شَيْء يريده وجده في موضع يده حيث يأكل. رواه ابن أبي الدُّنْيَا. وروى بإسناده أيضًا عَنْهُ قال: «إن التمرة من تمر الْجَنَّة طولها اثنا عشر ذراعًا، لَيْسَ له عجم».
فَسِرْ فِي الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ إِلَى الْعُلا ** عَلَى الصِّدْقِ وَالإِخْلاصِ وَالْبِرِّ وَالتُّقَى

وَإِيَّاكَ وَالدُّنْيَا الْغَرُورَ فَإِنَّهَا ** مَتَاعٌ قَلِيلٌ مَالَهَا أَبَدًا بَقَا

وَتُلْهِيكَ عَنْ جَنَّاتِ خُلْدٍ نَعِيمُهَا ** يَدُومُ وَيَصْفُو حَبَذَا ذَلِكَ مُلْتَقَى

وَفِيهَا رِضَا الرَّبِّ الْكَرِيمِ وَقُرْبُهُ ** وَرُؤْيَتُه أَكْرِمْ بِذَلِكَ مُرْتَقَى

وَصَلِّ وَسَلِّمْ ذُو الْجَلالِ عَلَى أَحْمَدٍ ** شَفِيعِ الْبَرَايَا كُلَّمَا الْمُزْنُ أَغْدَقَا

اللَّهُمَّ أعذنا من شر نُفُوسنَا ومن شر الشيطان ومن شر الهوى ومن شر الدُّنْيَا وآتنا في الدُّنْيَا حسنة وفي الآخِرَة حسنة وقنا عذاب النار واغفر لنا.
اللَّهُمَّ انْظِمْنَا فِي سِلْكِ عِبَادِكَ الْمُفْلِحِينَ وَاجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الْمُخْلِصِينَ الَّذِينَ لا خَوْفٌ عَلَيْهمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ واغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينََ الأحْيَاءِ مِنْهُمْ والمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعلى آلِهِ وصَحْبِهِ أَجْمَعِين.